سورة الواقعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)}
بسْم الله الرحمن الرحيم {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} أي إذا حدثت القيامة على أن {وَقَعَتِ} عنى حدثت و{الواقعة} علم بالغلبة أو منقول للقيامة، وصرح ابن عباس بأنها من أسمائها وسميت بذلك للإيذان بتحقق وقوعها لا محالة كأنها واقعة في ونفسها مع قطع النظر عن الوقوع الواقع في حيز الشرط فليس الإسناد كما في جاءني جاء فإنه لغو لدلالة كل فعل على فاعل له غير معين، وقال الضحاك: {الواقعة} الصيحة وهي النفخة في الصور، وقيل: {الواقعة} صخرة بيت المقدس تقع يوم القيامة وليس بشيء، و{إِذَا} ظرف متضمن معنى الشرط على ما هو الظاهر، والعامل فيها عند أبي حيان الفعل بعدها فهي عنده في موضع نصب بوقعت كسائر أسماء الشرط وليست مضافة إلى الجملة، والجمهور على إضافتها فقيل: هي هنا قد سلبت الظرفية ووقعت مفعولًا به لا ذكر محذوفًا، وقيل: لم تسلب ذلك وهي منصوبة بليس، وصنيع الزمخشري يشعر باختياره.
وقيل: حذوف وهو الجواب أي {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} كان كيت وكيت، قال في الكشف هذا الوجه العربي الجزل فالنصب بإضمار اذكر إنما كثر في إذ، وبليس إنما يصح إذا جعلت لمجرد الظرفية وإلا لوجب الفاء في ليس، وأبو حيان تعقب النصب بليس بأنه لا يذهب إليه نحوي لأن ليس في النفي ك {مَا} وهي لا تعمل، فكذا ليس فإنه مسلوبة الدلالة على الحدث والزمان، والقول: بأنها فعل على سبيل المجاز، والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث فحيث لا حدث فيها لا عمل لها فيه، ثم ذكر نحو ما ذكر صاحب الكشف من وجوب الفاء في ليس إذا لم تجرد عن الشرطية؛ واعترض دواه أن {مَا} لا تعمل بأنهم صرحوا بجواز تعلق الظرف بها لتأويلها بانتفى وأنه يكفي له رائحة الفعل، ويقال عليها في ذلك ليس، وكذا دعوى وجوب الفاء في ليس إذا لم تجرد {إِذَا} عن الشرطية بأن لزوم الفاء مع الأفعال الجامدة إنما هو في جواب إن الشرطية لعملها كما صرحوا به. وأما {إِذَا} فدخول الفاء في جوابها على خلاف الأصل. وسيأتي إن شاء الله تعالى فيها قولان آخران، وبعد القيل والقال الأولى كون العامل محذوفًا وهو الجواب كما سمعت. وفي إبهامه تهويل وتفخيم لأمر الواقعة.
وقوله تعالى:


{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)}
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} إما اعتراض يؤكد تحقيق الوقوع. أو حال من الواقعة كما قال ابن عطية، و{كَاذِبَةٌ} اسم فاعل وقع صفة لموصوف محذوف أي نفس، وقيل: مقالة والأول أولى لأن وصف الشخص بالكذب أكثر من وصف الخبر به. و{الواقعة} السقطة القوية وشاعت في وقوع الأمر العظيم وقد تخص بالحرب ولذا عبر بها هنا واللام للتوقيت مثلها في قولك: كتبته لخمس خلون أي لا يكون حين وقوعها نفس كاذبة على معنى تكذب على الله تعالى وتكذب في تكذيبه سبحانه وتعالى في خبره بها، وإيضاحه أن منكر الساعة الآن مكذب له تعالى في أنها تقع وهو كاذب في تكذيبه سبحانه لأنه خبر على خلاف الواقع وحين تقع لا يبقى كاذبًا مكذبًا، بل صادقًا مصدقًا، وقيل: على معنى ليس في وقت وقوعها نفس كاذبة في شيء من الأشياء، ولا يخفى أن صحته مبنية على القول بأنه لا يصدر من أحد كذب يوم القيامة؛ وأن قولهم: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] مجاب عنه بما هو مذكور في محله أو اللام على حقيقتها، و{كَاذِبَةٌ} صفة لذلك المحذوف أيضًا أي {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا} نفس كاذبة عنى لا ينكر وقوعها أحد ولا يقول للساعة لم تكوني لأن الكون قد تحقق كما يقول لها في الدنيا بلسان القول أو الفعل لأن من اغتر بزخارف الدنيا فقد كذب الساعة في وقعتها بلسان الحال لن تكوني، وهذا كما تقول لمخاطبك ليس لنا ملك ولمعروفك كاذب أي لا يكذبك أحد فيقول: إنه غير واقع، وفيه استعارة تمثيلية لأن الساعة لا تصلح مخاطبًا إلا على ذلك إما على سبيل التخييل من باب لو قيل: للشحم أين تذهب، وهو الأظهر وإما على التحقيق، وجوز كون {كَاذِبَةٌ} من قولهم كذبت نفسه وكذبته إذا منته الأماني وقربت له الأمور البعيدة وشجعته على مباشرة الخطب العظيم، واللام قيل: على حقيقتها أيضًا أي ليس لها إذا وقعت نفس تحدث صاحبها باطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها.
وفي الكشف إن اللام على هذا الوجه للتوقيت كما على الوجه الأول، وجوز أيضًا كون {كَاذِبَةٌ} مصدرًا عنى التكذيب وهو التثبيط وأمر اللام ظاهر أي ليس لوقعتها ارتداد ورجعة كالحملة الصادقة من ذي سطوة قاهرة؛ وروى نحوه عن الحسن. وقتادة، وذكر أن حقيقة التكذيب بهذا المعنى راجعة إلى تكذيب النفس إلى كذبها وإغرائها وتشجيعها وأنشد على ذلك لزهير:
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا *** ما الليث كذب عن أقرانه صدقًا
ويجوز جعل الكاذبة عنى الكذب على معنى ليس للوقعة كذب بل هي وقعة صادقة لا تطاق على نحو حملة صادقة، وحملة لها صادق أو على معنى ليس هي في وقت وقوعها كذب لأنه حق لا شبهة فيه، ولعل ما ذكر أظهر مما تقدم وإن روى نحوه عمن سمعت. نعم قيل: عليهما إن مجيء المصدر على زنة الفاعل نادر، وقوله عز وجل:


{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)}
{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة لأقوام رافعة لآخرين كما قال ابن عباس، وأخرجه عنه جماعة، والجملة تقرير لعظمتها وتهويل لأمرها فإن الوقائع العظام شأنها الخفض والرفع كما يشاهد في تبدل الدول وظهور الفتن من ذل الأعزة وعز الأذلة، وتقديم الخفض على الرفع لتشديد التهويل، أو بيان لما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات ورفع السعداء إلى درجات الجنات، وعلى هذا قول عمر رضي الله تعالى عنه: خفضت أعداء الله تعالى إلى النار ورفعت أولياءه إلى الجنة، أو بيان لما يكون من ذلك ومن إزالة الأجرام عن مقارها ونثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو كالسحاب، والضحاك بعد أن فسر الواقعة بالصيحة قال: خافضة تخفض قوتها لتسمع الأدنى {رَّافِعَةٌ} ترفعها لتسمع الأقصى، وروى ذلك أيضًا عن ابن عباس. وعكرمة، وقدر أبو علي المبتدأ مقرونًا بالفاء أي فهي {خَافِضَةٌ} وجعل الجملة جواب إذا فكأنه قيل: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} خفضت قومًا ورفعت آخرين، وقرأ زيد بن علي. والحسن. وعيسى. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وابن مقسم. والزعفراني. واليزيدي في اختياره {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} بنصبهما، ووجه أن يجعلا حالين عن الواقعة على أن {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة: 2] اعتراض أو حالين عن وقعتها، وقوله سبحانه:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8